الفنان اليمني كرامة مرسال.. غنّى بلادًا لا تُعزّيه!

 الفنان اليمني كرامة مرسال.. غنّى بلادًا لا تُعزّيه!

كتب علاء الدين الشلالي _ (الوفاق نيوز):
اليوم تحل ذكرى وفاة كرامة مرسال ونتذكر أنه لنحو 50 عامًا عزف  مرسال أجمل الألحان الموسيقية، وشدا بصوته ذي البحة المميزة، بعضًا من أجمل الأغنيات الوطنية والعاطفية، غناها من بعده عشرات من المغنيين اليمنيين والعرب، حتى بات تراثه الفني أيقونة وطنية للفن اليمني. 
البدايات الأولى 
ولد كرامة سعيد علي مرسال، عام 1946 في حي برع السدة بمدينة مكلا في محافظة حضرموت. وهناك نشأ، وبدأت موهبته في البروز، فعندما كان طالبًا في الصف الثاني الابتدائي، طلب منه معلمه أن يُسمعه نشيد "طلع البدر علينا"، ليقع الاختيار عليه بعدها مقرئًا للمدرسة الغربية الابتدائية في مكلا.
وفي عام 1959، وحين كان عاملًا في الإشارات اللاسلكية وهو لم يتجاوز الـ13 من عمره، تعرف إلى الشاعر الغنائي حسين البار، الذي قدمه لكبار فناني عصره، مثل علي عوض باهامل، وعبدالرب إدريس الذي علمه "المخاواة" أي ضبط الأوتار.
بعد ذلك تعرف كرامة مرسال على الفنان محمد جمعة خان، وكان قد اشترى عودًا صغيرًا بـ60 شلن، فتح له أبواب الغناء والشهرة.
ومن العود الصغير، وبدفع من الفنان الحضرمي ناصر الحبشي، بدأ كرامة مرسال في إحياء حفلات غنائية في ستينات القرن المنصرم. وبموازاة ذلك تعلم الإيقاع والعزف على الناي.
هيّأ له ذلك اشتهار اسمه في الأوساط الفنية محليًا وعربيًا، فكانت له قدمٌ في الكويت التي سجل لتلفزيونها أربع أغانٍ، منها أغنية "لبيك موطني"، أول أغنية من تلحينه.
في تلك الفترة أيضًا، تحديدًا في عام 1969 أصدر كرامة مرسال أول إسطوانة له. ثم مطلع عام 1970 غادر إلى مدينة عدن، مشاركًا في المهرجان الفني اليمني الأول، بمعية الفنانين محمد سعد عبدالله ومحمد مرشد ناجي المرشدي ومحمد محسن عطروش. وخلال إقامته في عدن، سجّل 21 أغنية للإذاعة والتلفزيون.
ثم بدأت تزداد جولاته خارج اليمن، فمثلًا في عام 1978 أحيا عدة حفلات لليمنيين في دول شرق أفريقيا. وظل حتى عام 2011، يحيي الحفلات الغنائية في دول عربية وأجنبية، إذ كان يقيم في دول الخليج العربي وحدها، أكثر من ست حفلات خاصة وعامة كل عام.

مُتيّم ومحبوبتي

أولى أغنيات مرسال الخاصة كانت "يشهد الله"، وبعدها غنى "بتحمل الجور والهجران" و"بسألك ياعاشور" و"شربة ماء" و"مالي بحبهم نصيب"، وغيرها. لكن من أشهر ما غنى، كانت أغنية "متيم" في عام 1989، والتي أعاد غناءها عدد من الفنانين العرب.
هذا فضلًا عن أغانيه الوطنية الكثيرة، مثل "دقت الساعة" و"لبيك يا تاج اليمن" و"دعيني أعانق فيكِ الأمل"، فيما كانت أبرز أغانيه الوطنية أغنية "محبوبتي اليمن".

يقول مرسال في إحدى حواراته الصحفية: "عندما أغني للوطن، فإني أغني من قلبي، وتجدني أعيش الأغنية، لأن الوطن هو الأصل والفصل، وهو الانتماء، وهو الهوية. ولو كان الجميع يضع الوطن نصب عينه لما حدث كل ما يحدث في هذا الوطن".
بلاده لم تُعزّيه

تزوج كرامة مرسال وهو في الـ18 من عمره، ثم تزوج ثانية. وقد أنجبت له زوجتاه 19 من الأبناء، توفي منهم ستة ولا يزال البقية على قيد الحياة. 

ومما يُذكر أنه حين زاره في منزله، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية آنذاك، علي ناصر محمد، أبدى تعجبه من وجود زوجتيه في منزل واحد. لكن لم يُذكر أنه علق على أبنائه الـ19!

مثّل كرامة مرسال أيقونة للغناء اليمني. وكان حاضرًا في التكريمات الرسمية، فكرمه علي عبدالله صالح، وكذلك عبدربه منصور هادي، كما سبق أن حصل على تكريم وزارة الثقافة. ومع ذلك كان "حزينًا" من الوزارة والدولة، الأمر الذي أشار إليه المصور الصحفي محيي الدين سالم.

يقول محيي الدين سالم، إنه التقط صورة لمرسال في إحدى المناسبات الرسمية، وقد بدأ على وجهه الحزن والتأثر الشديد، فسأله عن ذلك، فأجاب مرسال: "مجروح من وزارة الثقافة ومن كبر المسؤولين في الدولة".

تحدثت  إلى نجله، الفنان صبري كرامة مرسال، ليؤكد على الأمر، ويزيد بالشكوى من قطع وزارة الثقافة راتب والده "دون ذكر أسباب".

ويقول صبري: "أعطى والدي للوطن وللفن الشيء الكثير، لكنه لم يحظ بأي دعم أو رعاية"، مضيفًا: "الآن مثلًا لا نستطيع أن نعالج أبناءه المرضى في المستشفيات. للأسف، الوضع المادي لأبناء الراحل سيئ للغاية".

لم يقتصر الأمر على الدولة اليمنية، بل شمل شركات الإنتاج التي كان يشتكي كرامة مرسال من تجاهلها له، فضلًا عن كثرة السرقات الفنية لأغانيه وألحانه من مغنيين خليجيين.
قبيل وفاته في 2014، سأل أحد الصحفيين، الفنان أبو صبري كرامة مرسال، عن أحلامه، فأجاب: "كانت أحلامي أن أعيش عيشة طيبة ومستقرة أنا وأولادي وزوجاتي".